حين يأكل الوطن أبنائه2

حين يأكل الوطن أبنائه
أضرار الحرب الأهلية
الحرب الأهلية لا تقتل بالرصاص فقط، بل تقتل بالبطء، وبالخوف، وباليأس.
في السودان، الحرب لم تفرّق بين عسكري ومدني، بين غني وفقير، بين مدينة وقرية.
فقد الجميع شيئًا لا يُعوض؛ بعضهم فقد بيته، وبعضهم فقد ابنه، وبعضهم فقد نفسه وهو ما زال حيًا.
أول ما تضربه الحرب هو الاقتصاد.
الأسواق تُغلق، والمصانع تتوقف، والجنيه السوداني يفقد قيمته كما تفقد الأرواح معناها.
سعر الخبز يرتفع، والماء يصبح أغلى من البنزين، والناس ينامون على أصوات المدافع بدل أذان الفجر.
ثم تضرب الحرب الجسد.
المستشفيات تُقصف أو تُغلق، والأدوية تنفد.
الجرحى يموتون لأن الطريق إلى الطبيب صار ميدان قتال.
الأمهات يلدن في العراء، والأطفال يكبرون على رائحة البارود بدل رائحة الحليب.
وأخطر ما تفعله الحرب أنها تغيّر النفوس.
تصنع من الناس غرباء في أوطانهم، وتجعل الجار يشك في جاره، والأخ يخاف من أخيه.
يصبح الحب رفاهية، والثقة ترفًا لا يقدر عليه أحد.
تتحول المدن إلى أشباح، والبيوت إلى مقابر صامتة للذكريات.
أما على المدى البعيد، فالحرب تقتل المستقبل.
جيل كامل من الأطفال خرج من المدارس، والجامعات أُغلقت أو هُجّرت.
الخرائط الجديدة تُرسم بالدم، لا بالحبر،
وكل طائرة تقلع من مطار سوداني تحمل حلمًا هاربًا، لا مسافرًا.
—
وفي النهاية، لا أحد ينتصر في الحرب الأهلية،
فالمنتصر فيها هو الخراب،
والخاسر هو الإنسان.
—




