صرخة تحت قيد الاحتجاز

حصرياً لـ “زون نيوز جلوبال”
صرخة تحت قيد الاحتجاز: التعذيب الممنهج للفلسطينيين.. شهادات تدمي الضمير
بقلم: محمد عقيل

ميلانو، إيطاليا – تتجاوز أزمة الأسرى والمعتقلين الفلسطينيين في السجون الإسرائيلية مجرد خلاف سياسي أو إجراءات أمنية، لتتحول إلى جرح عميق في جسد الإنسانية، تفضحه تقارير دولية وشهادات حية تدمي الضمير العالمي. إن ما يتم الكشف عنه، وبشكل شبه يومي، من وقائع التعذيب والمعاملة القاسية واللاإنسانية والمهينة، يرسم صورة قاتمة لانتهاكات ممنهجة لحقوق الإنسان، تتطلب وقفة حقيقية من المجتمع الدولي.
لم يعد الحديث هنا عن “حالات فردية” أو “تجاوزات معزولة”، بل عن نمط ممنهج أكدته منظمات الأمم المتحدة والمقررون الخاصون لمجلس حقوق الإنسان. السجون الإسرائيلية، وفقاً لشهادات المحررين، لم تعد مراكز احتجاز بقدر ما تحولت إلى أدوات تعذيب تهدف إلى سحق الإنسان الفلسطيني، نفسياً وجسدياً.

فظائع خلف القضبان: تكتيكات الجسد المنهك
تكشف الشهادات عن تفاصيل مروعة لأساليب التعذيب المتبعة، والتي تشمل:

- التعذيب الجسدي المبرح: الضرب على مناطق حساسة، التعرض لهزات عنيفة، والتسبب بكسور وإصابات جسدية خطيرة، غالباً ما تتفاقم بسبب الإهمال الطبي المتعمد الذي أدى في بعض الحالات إلى استشهاد أسرى تحت وطأة الظروف القاسية.
- الإذلال النفسي والتعري القسري: إجبار المعتقلين، بمن فيهم النساء والأطفال، على التعري أمام الجنود، وتصويرهم في أوضاع مهينة، وهي ممارسة تهدف إلى كسر الروح وتجريد الشخص من كرامته. كما تتضمن الإهانة اللفظية والتهديد بالعنف الجنسي والجسدي ضد المعتقلين وعائلاتهم.
- الحرمان الشامل: استخدام أساليب مثل “الشبح” (التقييد في وضعيات مؤلمة لساعات)، والحرمان الممنهج من النوم والطعام والشراب، والتعرض لبرودة قاسية (في ما يسمى “الثلاجة”) كأدوات تحقيق وعقاب على حد سواء، لانتزاع اعترافات قسرية لا يُعتد بها إنسانياً ولا قانونياً.
- استهداف الفئات الضعيفة: تظهر الإحصائيات أن التعذيب يطال الأطفال والنساء، ما يشكل انتهاكاً مضاعفاً للمواثيق الدولية التي توفر حماية خاصة لهذه الفئات.

حصانة وعرقلة للمساءلة
الوجه الأكثر خطورة لهذه الممارسات يكمن في غياب شبه تام للمساءلة والشفافية. على الرغم من تقارير منظمات حقوق الإنسان الإسرائيلية والدولية وصرخات الاستغاثة، لم تظهر السلطات الإسرائيلية ما يوحي باتخاذ تدابير فعالة وجدية للتحقيق في هذه الادعاءات أو محاسبة المسؤولين، بمن فيهم القادة الذين يصدرون الأوامر أو يتغاضون عنها.
إن استمرار هذه الممارسات تحت مظلة الحصانة يخلق بيئة تشجع على المزيد من الانتهاكات، ويجعل الدولة التي تدعي الديمقراطية شريكة في هذه الفظائع. التعذيب هو جريمة دولية لا تسقط بالتقادم، وهو محظور منعاً مطلقاً بموجب القانون الدولي، ولا يمكن تبريره بأي ذريعة كانت.

نداء للضمير العالمي
إن مسؤولية إيقاف هذا النزيف الإنساني تقع على عاتق المجتمع الدولي. المطلوب ليس مجرد “قلق” أو “إدانة خجولة”، بل إجراءات عملية تشمل:
- فتح تحقيق دولي مستقل وفوري في جميع مراكز الاعتقال الإسرائيلية، والسماح للمراقبين الدوليين بالدخول غير المقيد.
- تفعيل آليات المساءلة الدولية، بما في ذلك المحكمة الجنائية الدولية، لضمان ملاحقة ومحاكمة كل من يثبت تورطه في ممارسة أو الأمر بالتعذيب.
- الضغط الدبلوماسي على إسرائيل للامتثال لاتفاقية مناهضة التعذيب وغيره من أشكال المعاملة أو العقوبة القاسية أو اللاإنسانية أو المهينة.
إن صرخة الأسرى الفلسطينيين تحت قيد الاحتجاز هي اختبار حقيقي لمصداقية العالم في تطبيق معايير حقوق الإنسان دون ازدواجية. إلى أن يتم إيقاف هذا التعذيب الممنهج، ستبقى السجون الإسرائيلية وصمة عار على جبين الإنسانية جمعاء.




