“الجُمُعة… يومٌ تهتزّ له السماوات وتخشع له الأرض”

بقلم الكاتب/ حسين ابوالمجد حسن

في زمن تتشابك فيه الهموم، وتشتدّ فيه الضوضاء، وتضيع فيه الروح بين مطالب الحياة… يبقى يوم الجمعة هو الصرخة الإلهية التي توقظ القلب من غفوته، وتعيد للإنسان إنسانيته، وللروح قدسيتها. إنه اليوم الذي اصطفاه الله على الأزمنة كما تُصطفى النفوس الطاهرة على بقية البشر.

إنه يومٌ ليست الساعات فيه كباقي الساعات، ولا الأنفاس فيه كأنفاس أي يوم آخر؛ يومٌ إذا بزغ فجره تنفّست الأرض طهراً، وإذا علت شمسه ارتجّت الأرواح شوقاً لنفحات الرحمن.

 يوم الجمعة… العرش يجلّه، والملائكة تشهده

ليس كلاماً عابراً ولا وصفاً إنشائياً؛ بل حقيقة قالها سيد الخلق ﷺ:

“خير يومٍ طلعت فيه الشمس يوم الجمعة.”

ما الذي يجعل يومًا واحدًا يفوق سائر أيام الأسبوع؟

إنه اليوم الذي بدأت فيه الحكاية بخلق آدم، وفيه يُختم المشهد الأخير بقيام الساعة…

يومٌ يقف على طرفي الزمن: أصل الحياة ونهايتها.

ساعة الإجابة… اللحظة التي تفتح فيها السماء أبوابها

كل عاشق للدعاء يعرف أن الجمعة ليست يومًا عادياً.

هناك لحظة سرية، قصيرة، عميقة، ينحني فيها القدر للدعاء…

لحظة لو رفع فيها العبد يديه صادقًا،

قيل له: “لبيك عبدِي… أعطيتُك.”

إنها الساعة التي يخشاها الظالم، ويتمسك بها المظلوم، ويرجوها من ضاقت عليه الدنيا.

 خطبة الجمعة… صوت الحق حين تخرس الأصوات

منبر الجمعة ليس قطعة خشب في مقدمة المسجد، بل منبر أمة.

منه عَبَرَت الكلمات التي أصلحت القلوب، وهزّت العروش، وأزالت الظلم، ورفعت شأن الحق.

إنها مؤسسة أسبوعية لحماية الوعي، ورفع الجهل، وتنظيف المجتمع من الغبار الذي يعلق به طوال الأسبوع.

صلاة الجمعة… حين يقف الناس صفًا واحدًا لا فرق بين غني وفقير

في هذا اليوم تختفي الألقاب، وتتلاشى المراتب، ويتساوى الجميع في صفٍ واحدٍ بين يدي الله.

الكل يخشع، الكل يسجد، الكل يرجو…

ذلك المشهد العظيم يكفي وحده ليقول لك:

هذا اليوم ليس كباقي الأيام.

سورة الكهف… درعٌ إلهي ونورٌ يغمر طريقك

في الجمعة تُقرأ سورة الكهف،

فتنطفئ مخاوف الفتن،

وتتربّى القلوب على الثبات،

ويُضاء ما بين الجمعتين نورٌ لا يعرفه إلا من جرّبه.

الجمعة… يومٌ يصنع إنسانًا جديدًا كل أسبوع

من اغتساله إلى تبكيره، من استغفاره إلى صلاته على النبي، من دعائه إلى ساعة الإجابة…

كل تفاصيل الجمعة برنامجٌ سماوي لإعادة ضبط القلب، وتنظيف الروح، ومراجعة الطريق.

إنه اليوم الذي لو فهمه الناس كما ينبغي،

لتغيّر شكل حياتهم،

ولصار

الأسبوع كله نورًا يبدأ من الجمعة… وينتهي إليها.