حين يتحول الاحتفال إلى بديل عن الإنجاز بقلم: خالد البنا في بلادٍ تُجيد تزيين الماضي أكثر مما تُجيد صناعة المستقبل، يبدو أن الاحتفال صار عقيدة وطنية. نحتفل بالأمس كأنه الغد، ونعيش على صورٍ قديمة ونياشين باهتة، نُكرّر البطولات نفسها كل عام، حتى صار التاريخ هو الشيء الوحيد الذي لا يتقدّم. نُغني للإنجازات الماضية ونصفّق للذكريات، كأن الأوطان تُبنى بالنُصُب التذكارية لا بالأحلام الجديدة. بينما العالم يركض نحو الغد، نحن نقف أمام الميكروفونات نحكي عن “أمجادٍ لن تعود”، ونصفّق لأنفسنا على مسرحٍ خالٍ من الممثلين الحقيقيين. في هذا الضجيج، يُصبح الشكل أهم من الجوهر، والتصفيق أهم من الفكرة، والولاء أهم من الكفاءة. الكاتب المسرحي ألفريد فرج قال ذات يوم: “الإبهار في العرض دليل على ضعف النص.” وربما كانت تلك الجملة هي الخلاصة التي تشرح ما نحن فيه: حين يغيب النص — أي الفكرة، والحرية، والمعنى — لا يبقى إلا الضوء… والطبول… واللافتات. نحن نعيش زمن الاحتفال الدائم: نقص الشريط قبل أن نكتب المشروع، ونرفع الشعارات قبل أن نعرف معناها. كل شيء جاهز للعرض… إلا الحقيقة. لكن الحقيقة لا تحتاج فرقة موسيقية ولا كاميرات. الحقيقة تُبنى بصمت، على أيدي من يزرعون بلا ضجيج، ويعملون بلا انتظار تصفيق. القوة قد تحفظ النظام، لكنها لا تصنع النهضة. والوطن الذي يكتفي بالاستعراض، يبقى جميلًا في الصور… لكن قلبه فارغ من النبض.