سياسة

حرب غزة.. مأساة القرن وصراع البقاء بين نار الحديد وجوع الحياة

حرب غزة.. مأساة القرن وصراع البقاء بين نار الحديد وجوع الحياة

بقلم الكاتب/حسين ابوالمجد حسن
باحث في الشؤون السياسية والاقتصادية

في السابع من أكتوبر عام 2023

دوّى صوت الصواريخ في سماء فلسطين المحتلّة، معلنًا بداية واحدة من أكثر الحروب دموية في القرن الحادي والعشرين.
شنّت حركة حماس هجومًا مفاجئًا عبر آلاف الصواريخ واقتحامٍ بريٍّ لمواقع داخل إسرائيل، فردّت الأخيرة بحرب شاملة على قطاع غزة، جمعت بين القصف الجويّ والعمليات البرّية والحصار الكامل، لتتحول المعركة سريعًا إلى كارثة إنسانية غير مسبوقة.
ما بدأ كتصعيد عسكري تحوّل إلى مأساةٍ إنسانيةٍ حقيقية، حيث طالت النيران المدنيين والمنازل والمستشفيات، وتحوّل القطاع الصغير إلى أطلالٍ وركامٍ يسكنه الألم.
جذور الصراع

لنفهم ما يجري، لا بدّ من العودة إلى التاريخ:

منذ عام 1948 حين أُعلنت دولة إسرائيل على أرض فلسطين، بدأ النزوح الفلسطيني الكبير، وتراكمت الجراح جيلاً بعد جيل.
وفي حرب 1967 احتلّت إسرائيل قطاع غزة والضفة الغربية، لتبدأ حقبة طويلة من الاحتلال والسيطرة.
ثم جاءت حركة حماس لتسيطر على القطاع عام 2007، ففُرض عليه حصارٌ خانقٌ من إسرائيل ومصر، أغلق الحدود والبحر والسماء، وجعل الحياة في غزة أشبه بالسجن الكبير.
ومنذ ذلك الحين، تكرّرت الحروب: 2008، 2012، 2014، 2021… حتى الانفجار الأكبر عام 2023.
الشرارة الأولى

في صباح 7 أكتوبر 2023

شنّت حماس هجومًا واسعًا على إسرائيل، وُصف بأنه الأعنف منذ عقود.
دخل مقاتلوها عبر السياج الحدودي، واستُخدمت الطائرات المسيّرة والصواريخ، وتمّ أسر عشرات الإسرائيليين.
ردّت إسرائيل بإعلان “حالة الحرب” وأطلقت عمليةً هدفها “تدمير قدرات حماس”، لكنها تحوّلت إلى حرب إبادة في غزة.
مجريات الحرب
بدأت العمليات بالقصف الجوي العنيف، ثم الاجتياح البري، ثم الحصار الكامل:
قُطعت الكهرباء والمياه والوقود، وتوقفت أغلب المستشفيات عن العمل.
أُجبر السكان على النزوح من شمال القطاع إلى جنوبه، تحت وابل من القصف لا يفرّق بين مقاتلٍ وطفلٍ وامرأة.
تحوّلت مدينة غزة إلى منطقة منكوبة بالكامل، ودُمّرت الأحياء السكنية فوق رؤوس أهلها.
تقديرات الأمم المتحدة تشير إلى أن أكثر من 70% من البنية التحتية في القطاع قد دُمّر، وأن الأزمة الإنسانية هي الأسوأ في العصر الحديث.
الأرقام المروّعة

أكثر من 60 ألف شهيد فلسطيني حتى يوليو 2025

بحسب وزارة الصحة في غزة.
مئات الآلاف من الجرحى والمفقودين تحت الأنقاض.
أكثر من مليونَي نازح داخل القطاع المحاصر.
70% من الأراضي الزراعية وُضعت خارج الخدمة.
المستشفيات تعمل بأقل من 20% من طاقتها بسبب نقص الوقود والأدوية.
تلك الأرقام لا تعبّر عن المأساة بقدر ما تشير إلى حجم الكارثة الإنسانية التي يواجهها المدنيون يوميًا.
الأبعاد القانونية والإنسانية
تتهم منظمات حقوق الإنسان إسرائيل بارتكاب انتهاكات جسيمة للقانون الدولي الإنساني، عبر استهداف المدنيين، وفرض الحصار، واستخدام التجويع كسلاح حرب.
في المقابل، تقول إسرائيل إنها تردّ على “هجوم إرهابي غير مسبوق”.
وبين الاتهام والتبرير، يبقى المدني الفلسطيني هو الضحية الدائمة.
المواقف الدولية
انقسم العالم كما لم ينقسم من قبل:
بعض الدول الغربية، وعلى رأسها الولايات المتحدة، أعلنت دعمها لإسرائيل “في حقها بالدفاع عن نفسها”.
بينما طالبت الأمم المتحدة وعدد من الدول العربية بوقف فوري لإطلاق النار وفتح ممرات إنسانية.
مصر وقطر لعبتا دورًا محوريًا في الوساطة لوقف إطلاق النار وتبادل الأسرى، لكن الانفجارات السياسية والميدانية ظلت تتجدّد كلما اقتربت المفاوضات من الأمل
المستقبل المجهول
بحلول أكتوبر 2025
ورغم محاولات التهدئة، لا يزال الوضع هشًّا ومفتوحًا على كل الاحتمالات.
غزة اليوم مدينة أشباحٍ تصارع البقاء، وإسرائيل تواجه انتقادات دولية متصاعدة.
أما الحل السياسي، فما زال بعيدًا في الأفق، بين مشاريع إعادة الإعمار التي تتعثر، والدمار النفسي والإنساني الذي لا يُمحى بسهولة.
حرب غزة ليست معركة عابرة
بل صراع هويةٍ وعدالةٍ وكرامةٍ يمتدّ منذ أكثر من سبعة عقود.
فيها تتقاطع السياسة بالدين، والتاريخ بالجغرافيا، والدم بالبقاء.
ورغم كلّ الدمار، ما زال في غزة صوت يتهامس كل فجر:
> “ما زلنا هنا… نعيش، نُصلّي، وننتظر فجرًا جديدًا يُنهي هذا الليل الطويل.”

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى