مقالات الرأي

.. شركاء في كل شيء ..

.. شركاء في كل شيء ..

ــ هل هناك من يكرهنا، من بينكم إلى هذا الحد!؟…

هكذا جاءني سؤال صديقي (…..) بعدما ذكر داعية بعينه، وتحدث عن مدى القسوة، والعنف الذي يشعر به في خطبه الدينية المتكررة.
وبدوري أخبرته أن هذا التجاوز الذي قد يصل لحد العنف والعداء والاستعداء ليس مقصورا على الخطاب الدينى فحسب، فمعظم الخطابات البشرية تنطلق في الغالب محملة بالكراهية والحقد إلى حد كبير؛ فهي تحاول الانتصار لفكرة معينة أو اعتقاد بذاته…

كما أن الأمر ليس مقصورا أيضا على فئة بعينها أو طائفة من الطوائف..

والمهم ليس وجوده بل نسبة وجوده مقارنة بالكتلة البشرية التي تعتقد نفس الاعتقاد.. والأهم من نسبة وجوده بطائفة ما هو مدى تقبله بالمجتمع.. والأكثر أهمية من كل هذا هو درجة القدرة على الرد عليه!…
ولا شك أن لهجة العدائية والحض على العنف لا توجد بين المسلم والمسيحي كما ترى، لا بالشارع ولا ببيئة العمل.. هي كما ترى تأتي من أشخاص معدودين على كافة الاعتقادات والمذاهب.. ولكي نتحدث بشيء من الإنصاف فهذا التجاوز داخل الخطاب الديني على الخصوص والذي يستهدف قلقلة راحة الآخر أو التقليل من شأنه لا يفعله مشايخ مسلمين فقط، بل هناك قساوسة مسيحيين يفعلون نفس الفعل دون ذكر أسماء، وهذا لأن الموضوع في الأصل ليس دينا بل تدينا وأظن الفرق بين الاثنين واضح.. فالدين لن يحض أبدا على كراهية أحد أو طمس حقه فِي الحياة، وحريته في الاعتقاد.. أما التدين فهو سلوك الفرد الظاهر الذي يعكس مدى فهمه للدين، هو تجربة شخصية، أو حالة إنسانية تختلف من شخص لآخر في قوتها وأسلوبها.. تختلف حتى من زمان لزمان ومن مكان لمكان..
فكثيرا ما رأينا عقولا متعصبة غيرت اتجاهها الفكري بعد فترة من الزمن!…

ولا تنس يا صديقي الأصل:

الدين لله والوطن والحياة كلها للجميع، ونحن كمسلمين مأمورين أن نؤمن بتلك الحرية..
ولا تنس أيضا أن القرآن الكريم والإنجيل ككتابين سماويين قد دفعا ثمن التهور والتعصب ببعض الدول الغربية، الأمر الذي كانت نتيجته الحرق وبكل أسف!!…
ولم يكن إشعال النار في الكتابين المقدسين في الخفاء، بل كان في عز النهار وفي عرض الشارع وبحضور رجال الشرطة، وليس ذلك لأن الجهات المسئولة كجهاز الشرطة مثلا توافق على هذا أو تقبله، فحرق الكتب السماوية فعل محرم، وقبيح لا يقبله أحد، ولكن مثل هذا الأمر يمر لأن هناك الحرية الشخصية وحرية التعبير تأتي في مقدمة اهتمامات تلك المجتمعات التي تضع حرية التفكير والتجمع والتعبير ركنا أساسيا من أركان الديمقراطية.. لذا فأنت تستطيع أن تلاحظ أن بتلك المجتمعات المتطورة يوجد التسامح وخلق مساحة لا بأس بها من التعبير حتى مع الآراء والسلوكيات غير المرغوب فيها.. حتى لو تمت معالجة الخطأ أو الرد عليه بخطأ!..
واعلم أن الدعوة بهذا الشكل لن تكون لله.. بل للفتنة والتعصب الذي لن يشجع على خلق مجتمع منسجم متسامح راق!..
واعلم أيضا أننا ينبغي أن نكون حريصين جدا؛
فليس كل من تصدر الشاشات، وزعق أمام مكبرات الصوت أمينا ويستحق أن نسلمه عقولنا وقلوبنا!..
ثم هل ينكر أحد أن الصوت الأكثر إثارة هو الصوت المختلف، ونحن في هدوئنا واستقرارنا وانسجامنا وتقبلنا بعضنا البعض لابد أن يكون الصوت العنيف هو المختلف.. لابد أن يكون هو الأكثر إثارة بالإعلام!..
واعلم يا صديقي أن للأمر علاقة وثيقة بدرجة الوعي والنشأة..
وأخيرا ألا يكفيك أننا شركاء في الشارع، وحتى الجدران ما استطاعت أن تفصل بيوتنا عن بعضها البعض وهي مليئة بـ “الكوات” أو النوافذ الصغيرة التي تبرهن على توددنا وتراحمنا.. ألا يكفيك أن تجمعنا نفس المدرسة.. أن يضمنا وطن واحد.. أن تحتضننا العروبة.. وأن تحيينا الإنسانية.. ألا يكفيك كل هذا يا عزيزي!…
عاطف عطيت الله

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى