الكرسي الذي يشتريك قبل أن تشتريه

الكرسي الذي يشتريك قبل أن تشتريه
محمد بشار يكتب :
لم تعد الانتخابات في بعض الدوائر معركة أفكار أو منافسة برامج بل تحوّلت إلى ماراثون من الاستهلاك الإنساني يبدأ بابتسامة مصطنعة وينتهي بإنهاك كامل للروح والعقل والكرامة
أن تكون مرشحًا اليوم يعني أن تدخل طوعًا إلى دوامة من المجاملات المرهقة والوعود الكاذبة والمشاهد المتكررة التي لا تحمل من الوطنية سوى لافتتها
يستيقظ المرشح باكرًا لا حبًا في العمل العام بل لأن يومه مزدحم بأوراق وطلبات أهل الدائرة التي يتنقل بها بين المكاتب الحكومية.
يُقدّم نفسه هناك كمتسوّل للقرارات يستجدي توقيع مسؤول ويتودد لآخر يبتسم في وجه الجميع ويغادر وفي قلبه سؤال صامت هل هذه هي الخدمة العامة أم عبودية من نوع جديد؟
ومع غروب الشمس يتحول إلى ممثل محترف في مسرح المناسبات ستة أفراح وثلاثة مآتم ومريض حالته خطيرة يُحسب ضمن جدول العزاءات.
في الفرح يوزع الابتسامات كالهدايا وفي المأتم يوزع الدموع وكأنها أوراق ترشح جديدة.
يبكي على موتى لا يعرفهم ويُشيد بفضائل لم تحدث أصلًا فقط لأن الميكروفون مفتوح وعدسات الهواتف حاضرة.
ثم تأتي المسيرات.
يسير المرشح وسط أنصاره كأنه زعيم من زمن آخر يلوّح بيده من نافذة السيارة يوزع وعودًا بالوفاء والاهتمام ويزور القرى كأنه يزور وطنًا منقسمًا بين محبة مجانيةومصلحة مؤقتة
قرى تتعهد بالولاء لكل من يمر بها حتى لتشعر أن الوفاء فيها سلعة انتخابية موسمية.
ولكي يضمن استمراره في السباق يبتسم لمن لا يطيق ويحترم من لا قيمة له ويدفع مالًا لمن لا يستحق
يشارك في أمور تافهة ليقال عنه إنه قريب من الناس يرتدي البدله في عزّ الحر لالتقاط صورة رسمية ويضحك على نكات باهتة لأنه لا يملك ترف الصمت
وفي نهاية المشهد حين يعود إلى بيته المرهق يسأل نفسه بصوت خافت هل هذا طريق الشرف أم درب المهانة؟
هل الترشح تكليف وطني أم تضحية شخصية لا يخرج منها الإنسان كما دخلها؟
إنها حياة لا تليق بالأحرار…
حياة تسرق منك ملامحك وقناعاتك لتمنحك لقبًا زائفًا لا يدوم أكثر من دورة انتخابية.
ومن ثمّ تظل الحقيقة قائمة
ليس كل من يملك المال يصلح أن يكون نائبًا فبعض المقاعد لا يشغلها إلا من فرّغ نفسه من إنسانيته ليملأها بالتصفيق والادعاء.
تبا لها من حياة…




