جورجيا ميلوني أمام المحكمة الجنائية الدولية

جورجيا ميلوني أمام المحكمة الجنائية الدولية: التواطؤ المزعوم في حرب غزة يهز المشهد السياسي الإيطالي
بقلم: محمد عقيل
تواجه رئيسة الوزراء الإيطالية جورجيا ميلوني وحكومتها تحديًا قانونيًا ودوليًا غير مسبوق، بعد أن تم الإبلاغ عنهما إلى المحكمة الجنائية الدولية (ICC) في لاهاي. تدور الاتهامات حول التواطؤ المزعوم في جريمة الإبادة الجماعية فيما يتعلق بالعمليات العسكرية الإسرائيلية الواسعة في قطاع غزة. هذه الخطوة، التي كشفت عنها ميلوني نفسها، تضع روما في موقف حرج وتثير تساؤلات عميقة حول التزامها بالقانون الدولي ومسؤولياتها تجاه الأزمة الإنسانية المتفاقمة.
أولاً: جوهر الاتهام والأطراف المعنية
الإبلاغ الموجّه إلى المحكمة الجنائية الدولية ليس مجرد شكوى سياسية، بل هو اتهام جنائي خطير يستند إلى المادة 25 من نظام روما الأساسي، التي تتناول المسؤولية الجنائية الفردية عن التواطؤ وتسهيل ارتكاب الجرائم.
1. الإبلاغ يشمل وزراء رئيسيين
أكدت ميلوني أن البلاغ يستهدفها شخصيًا، بالإضافة إلى عدد من أعضاء حكومتها الرئيسيين:
- وزير الدفاع جويدو كروسيتو: يُعتقد أن إشراكه مرتبط بمزاعم حول استمرار التعاون العسكري وشحنات الأسلحة.
- وزير الخارجية أنطونيو تاجاني: بسبب الدور الدبلوماسي لإيطاليا والموقف الرسمي من الصراع.
- روبرتو تشينغولاني: رئيس مجموعة ليوناردو الدفاعية، مما يوسع دائرة الاتهام لتشمل الكيانات الصناعية الحكومية.
تتركز المزاعم على أن إيطاليا لم توقف إمدادات الأسلحة والتعاون العسكري مع إسرائيل بعد السابع من أكتوبر، وأن هذا الدعم المستمر يمثل تسهيلاً للأفعال التي يرى مقدمو البلاغ أنها ترقى إلى مستوى الإبادة الجماعية.
2. مصدر البلاغ والدافع السياسي
جاء هذا التحرك القانوني استجابة للضغوط المتزايدة من المعارضة والاحتجاجات الشعبية. وقد تبنى تحالف اليسار والأخضر الإيطالي (AVS) مبادرة للإبلاغ عن الحكومة، زاعمًا أن إيطاليا تنتهك واجبها بتعطيل بيع الأسلحة والعتاد الحربي إلى إسرائيل. هذه الخطوة تمثل تصعيدًا للاحتجاجات التي تشهدها إيطاليا، والتي تطالب بتبني موقف أكثر حزمًا يدين بشدة العمليات العسكرية في غزة.
ثانياً: رد الحكومة الإيطالية والتعامل مع الموقف الدولي
واجهت حكومة ميلوني، التي طالما كانت داعمًا قويًا لإسرائيل، تحديًا في الموازنة بين علاقاتها الخارجية والضغوط الداخلية والأخلاقية.
1. النفي الرسمي وتبرير الموقف
أعربت رئيسة الوزراء عن “دهشتها” من الاتهامات، مشددة على أن إيطاليا لم تسمح بأي إمدادات أسلحة “جديدة” إلى إسرائيل بعد السابع من أكتوبر. هذا النفي يهدف إلى تبرئة الحكومة من تهمة المساهمة الفعالة في تصعيد الحرب، ويؤكد على أن أي تعاون قائم هو ضمن الأطر القديمة.
2. تحول الخطاب الرسمي نحو الانتقاد
على الرغم من الدعم المبدئي، شهد موقف روما تحولًا تدريجيًا. فبدأ وزراء الحكومة يصفون الرد العسكري الإسرائيلي بأنه اتخذ “أبعادًا غير مقبولة” ويجب أن “يتوقف فورًا” لحماية المدنيين. هذا التعديل في الخطاب يعكس محاولة للاستجابة للانتقادات الدولية والمحلية، والابتعاد عن الصورة الكاملة لـ “التواطؤ” عبر الدعوة لوقف التصعيد والتركيز على الحاجة الماسة للمساعدات الإنسانية.
ثالثاً: التداعيات والتحديات القانونية
إن مجرد الإبلاغ إلى المحكمة الجنائية الدولية يحمل تداعيات تتجاوز مجرد الإجراءات القانونية الروتينية، فهو يضع قيادة دولة عضو في الاتحاد الأوروبي في قفص الاتهام.
1. أهمية الإجراء أمام المحكمة الجنائية الدولية
يجب التنويه إلى أن البلاغ هو خطوة أولية تُقدم إلى مكتب المدعي العام للمحكمة الجنائية الدولية الذي يقرر بدوره ما إذا كان هناك أساس لفتح تحقيق رسمي. ومع ذلك، فإن إدراج أسماء كبار المسؤولين يُشكل إحراجًا دوليًا كبيرًا ويهدد سمعة إيطاليا، التي هي طرف في نظام روما الأساسي وتُفترض عليها مسؤولية التعاون الكامل مع المحكمة.
2. التحديات السياسية الداخلية
يغذي هذا البلاغ المعارضة الداخلية ويزيد من حدة الاستقطاب في البرلمان الإيطالي. حيث تستغل قوى المعارضة هذا التطور للمطالبة بـ “الشجاعة الأخلاقية” من القادة الإيطاليين، والمطالبة بإلغاء جميع أشكال التعاون العسكري والدفاعي مع إسرائيل كخطوة ضرورية لتطهير السجل الإيطالي من أي شبهة “تواطؤ”.
باختصار، تجد ميلوني نفسها في مفترق طرق. فالملف القانوني أمام المحكمة الجنائية الدولية ليس مجرد قضية تتعلق بإمدادات الأسلحة، بل هو اختبار لالتزام إيطاليا بالعدالة الدولية وواجبها في حماية حقوق الإنسان. إن روما مطالبة الآن بتقديم إجابات واضحة وشفافة للمجتمع الدولي حول سياساتها ودورها في ظل كارثة إنسانية مستمرة.