سياسة

رئيسة وزراء إيطاليا أمام عاصفة المحكمة الجنائية الدولية: بين إبادة غزة وتحرير “جنرال ليبي”

رئيسة وزراء إيطاليا أمام عاصفة المحكمة الجنائية الدولية: بين إبادة غزة وتحرير “جنرال ليبي”

بقلم: إسلام سيف

تواجه رئيسة الوزراء الإيطالية، جورجيا ميلوني، عاصفتين قانونيتين ودبلوماسيتين متتاليتين أمام مرآة المحكمة الجنائية الدولية (ICC)، الأمر الذي يضع حكومة اليمين المتطرف في روما تحت ضغط دولي غير مسبوق. هذه التحديات لا تهدد استقرار حكومتها فحسب، بل تُلقي بظلال كثيفة على التزام إيطاليا بالقانون الدولي والمواثيق الإنسانية.

الاتهام بالتواطؤ في “إبادة غزة” 🇵🇸🇮🇹

في تطور هو الأول من نوعه ضد زعيم أوروبي، أعلنت ميلوني مؤخراً أنها ووزيرين آخرين في حكومتها قد أُحيلوا إلى المحكمة الجنائية الدولية بتهمة “التواطؤ في الإبادة الجماعية” على خلفية الحرب الإسرائيلية على قطاع غزة. وعلى الرغم من أن إيطاليا قد نأت بنفسها مؤخراً عن الهجوم الإسرائيلي ووصفته بـ”غير المتناسب”، فإن هذه الشكوى القانونية، التي لم يُكشف عن الجهة التي قدمتها بالتفصيل، تشير إلى أن دور روما في دعم إسرائيل، بما في ذلك ما يتعلق بالأسلحة، قد وضعها في مرمى العدالة الدولية.

لقد أعربت ميلوني عن “دهشتها” من الاتهام، مشيرة إلى أن إيطاليا لم تصرح بـ”إمدادات أسلحة جديدة” لإسرائيل بعد 7 أكتوبر. ومع ذلك، تبقى هذه الشكوى أداة ضغط سياسي وقانوني هائلة، تهدف إلى دفع الدول الغربية إلى مراجعة علاقاتها مع إسرائيل، خاصة في ظل التحقيقات الجارية أصلاً ضد قادة إسرائيليين من قبل المحكمة الجنائية الدولية. هذا التحدي يضع الحكومة الإيطالية في موقف حرج: كيف يمكن التوفيق بين الدعم التاريخي لإسرائيل والالتزام بالقانون الدولي الذي يحظر التواطؤ في الجرائم الكبرى؟


تأتي هذه الشكوى الأخيرة لتضاف إلى قضية أخرى هزت أركان الحكومة الإيطالية وهي قضية إطلاق سراح مسؤول ليبي مطلوب للجنائية الدولية بتهمة ارتكاب جرائم ضد الإنسانية. فبعد اعتقال أسامة المصري نجيم في تورينو بموجب مذكرة اعتقال صادرة عن المحكمة الجنائية الدولية، قامت الحكومة الإيطالية بإطلاق سراحه ونقله على متن طائرة حكومية إلى ليبيا بعد أيام قليلة.

هذا القرار أثار غضباً في لاهاي، حيث طالبت المحكمة الجنائية الدولية بتفسير رسمي من روما لعدم التشاور معها قبل الإفراج عن شخص مطلوب بتهم خطيرة تشمل القتل والتعذيب. وقد خضعت ميلوني نفسها لتحقيق قضائي داخلي (في إيطاليا) بتهمة مساعدة وتحريض على ارتكاب جريمة وإساءة استخدام أموال عامة فيما يتعلق بالقضية، على الرغم من أن هيئة قضائية إيطالية أسقطت لاحقاً القضية ضدها شخصياً بينما تواصل التحقيقات ضد وزرائها.

وقد دافعت الحكومة الإيطالية عن قرارها لأسباب تتعلق بـ**”أمن الدولة”** وزعمت وجود “أخطاء وإغفالات” في مذكرة الاعتقال الصادرة عن المحكمة الجنائية الدولية، في خطوة تحدت بشكل مباشر التزام إيطاليا بـنظام روما الأساسي الذي أسس المحكمة. هذا التصرف لا يمثل مجرد خرق لاتفاقية دولية، بل يوجه رسالة مقلقة بشأن استعداد دولة طرف في الاتفاقية لوضع مصالحها الأمنية والسياسية الثنائية فوق التزاماتها تجاه العدالة الدولية.

صراع السياسة والعدالة 🌍

إن إحالة رئيسة وزراء إيطاليا إلى المحكمة الجنائية الدولية في هاتين القضيتين المتناقضتين ظاهرياً (دعم دولي يواجه اتهاماً بالإبادة، وعرقلة مباشرة لتنفيذ مذكرة اعتقال دولية) تسلط الضوء على تزايد توتر العلاقة بين السيادة الوطنية والعدالة الدولية. إنها تؤكد أن حصانة الزعماء السياسيين لم تعد مطلقة، وأن المحاكم الدولية، حتى لو كانت تواجه تحديات، تظل محركاً رئيسياً للمساءلة في عالمنا المعاصر.

 

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى