غريتا تونبرغ: لست خائفة من إسرائيل بل من عالم فقد إنسانيته

غريتا تونبرغ: لست خائفة من إسرائيل بل من عالم فقد إنسانيته
(بقلم: محمد عقيل)
صرخة الضمير في زمن الصمت: تحوّل البوصلة من المناخ إلى الإنسانية
لم تعد الناشطة البيئية السويدية **غريتا تونبرغ** مجرد رمز للكفاح ضد أزمة المناخ. لقد تحوّلت بوصلتها لتشير إلى أزمة إنسانية وأخلاقية أعمق، تجسدت في تعبيرها الجريء: “لست خائفة من إسرائيل، بل من عالم فقد إنسانيته”. هذه العبارة لم تكن مجرد موقف سياسي عابر، بل هي **تأصيل فلسفي** جديد لحركتها، يرى في الأزمة الإنسانية في غزة انعكاساً مباشراً لـ**التهديد الوجودي** الذي يواجه البشرية، تماماً كتهديد المناخ.
إنّ غريتا، التي واجهت انتقادات لاذعة جراء مواقفها الداعمة لفلسطين، لا تهدف بكلمتها إلى استعراض شجاعة فردية، بل إلى فضح **الخوف الجماعي** الذي يسيطر على العالم، وهو الخوف الذي يترجم إلى صمت وتخاذل أمام المأساة. إنّ ما يبعث على القلق بالنسبة لها ليس قوة دولة معينة، بل **الانهيار الأخلاقي** الذي يجعل دول العالم تقف متفرجة أو متواطئة على ما تصفه بـ”الإبادة الجماعية التي تُبث على الهواء”. هذه الكلمة هي نداء للاستيقاظ، يضع عجز المنظومة الدولية عن إيقاف الظلم في صلب مشكلة الإنسانية المعاصرة.
العدالة الشاملة: ترابط القضايا الإنسانية والبيئية
لطالما رأت تونبرغ وحركة “أيام الجمعة من أجل المستقبل” أن لا عدالة مناخية دون عدالة اجتماعية. هذا المبدأ هو المحرك الأساسي لربطها الواضح بين أزمة المناخ والصراع في الشرق الأوسط.
رفض الحياد: “لا يمكنك أن تكون محايداً في إبادة جماعية”
بالنسبة لغريتا، فإن **الظلم والاضطهاد** هما وجهان لعملة واحدة، سواء كانا ناتجين عن سياسات بيئية تضر بالمهمشين أو عن صراع مسلح يقضي على المدنيين. إنها ترفض بحدة أي دعوة للحياد في مواجهة الانتهاكات الصارخة لحقوق الإنسان. موقفها هذا يفضح محاولات الفصل بين العمل “البيئي النقي” والعمل “السياسي”، مؤكدة أن الدفاع عن الأرض لا يمكن أن ينفصل عن الدفاع عن البشر. عندما تقول إنها تخشى من عالم فقد إنسانيته، فهي تشير إلى **التسليم السهل** للمجتمع الدولي أمام تآكل القانون الإنساني والأخلاق العالمية.
المسؤولية الأخلاقية واستخدام المنبر
ترى تونبرغ أن وجود منصة عالمية يفرض **واجباً أخلاقياً** لاستخدامها في وجه الظلم الأكبر. مشاركتها في محاولات إيصال المساعدات الإنسانية إلى غزة، بالرغم من المخاطر، هو ترجمة عملية لهذا الواجب. إنها تؤمن بأن الخطر الأكبر هو **خطر التقاعس**، وأن الصمت في هذا الوقت هو بمثابة **خيانة للمبادئ الإنسانية** التي يُفترض أن تكون حجر الزاوية لأي حراك عالمي، سواء كان بيئياً أو غيره.
دعوة لإنقاذ روح العالم
إن كلمة غريتا تونبرغ “لست خائفة من إسرائيل بل من عالم فقد إنسانيته” هي في جوهرها **نقد لاذع للحالة الأخلاقية العالمية**. إنها تحذير من أن فقدان البوصلة الإنسانية في منطقة واحدة يُهدد بتدمير القيم الأساسية في جميع أنحاء العالم. رسالتها الأخيرة ليست مجرد نداء سياسي، بل هي **مطلب وجودي** لإعادة بناء الإنسانية وإحياء الضمير العالمي قبل فوات الأوان، لأن العالم الذي يتجاهل صرخة طفل جائع لن يكون قادراً على إنقاذ نفسه من أي كارثة أخرى، بيئية كانت أم غير ذلك.