الشرق الأوسط .. رمال متحركة تعيد تشكيل الجغرافيا السياسية

كتب: إسلام سيف
لا تزال منطقة الشرق الأوسط، بؤرة الصراعات التاريخية ومهد الحضارات، تمثل التحدي الأبرز في الأجندة العالمية. فما إن تتلاشى أزمة حتى تلوح في الأفق أخرى، لتؤكد أن المنطقة تعيش حالة من “التحول الدائم”، حيث تعيد التطورات المتسارعة تشكيل خريطتها الجيوسياسية على نحو لم يعد يقتصر على الصراعات التقليدية، بل امتد ليشمل نفوذ القوى العظمى وتغير أولوياتها الاقتصادية والأمنية.
نهاية مرحلة وبداية عهد جديد
شهدت المنطقة خلال الفترة الأخيرة تحولات درامية، يمكن وصفها بأنها نقطة تحول حاسمة. فبعد عقود من الاستقطاب القائم على صراعات إقليمية محددة، ظهرت أنماط جديدة من التعاون والتنافس، لاسيما مع سعي بعض الدول الإقليمية لتعزيز استقلاليتها الاستراتيجية. إن انهيار أنظمة سابقة، كما حدث في سوريا وما تبعه من فراغ أمني وسياسي، يفرض تحديات جمة على مستوى إعادة الإعمار وتوفير الاستقرار، مما يجعل مستقبل الدولة السورية مرهوناً بتوافقات دولية وإقليمية لم تكتمل فصولها بعد.
صراع النفوذ الكبير: الشرق في مواجهة الغرب
لم يعد الشرق الأوسط حكراً على النفوذ الغربي التقليدي. ففي ظل توجه الولايات المتحدة نحو “التركيز على الداخل” وتناقص اعتمادها على نفط المنطقة، برزت قوى دولية صاعدة كـ الصين وروسيا كلاعبين رئيسيين. الصين، عبر مبادرة “الحزام والطريق”، تضاعف استثماراتها في البنية التحتية والطاقة، مُعيدةً تشكيل ملامح الاقتصاد الإقليمي ومقللةً من الاعتماد على الغرب. في المقابل، تسعى روسيا لتثبيت وجودها العسكري والدبلوماسي، مستغلة أي فراغ تخلفه التراجعات الغربية. هذا التنافس يخلق فرصاً لبعض دول المنطقة للتحرر من القطبية الواحدة، ولكنه في الوقت ذاته يفاقم من تعقيدات الأزمات القائمة.
الاقتصاد أولاً: مسارات جديدة للتحالفات
تتزايد أهمية “الدبلوماسية الاقتصادية” كأداة رئيسية في المنطقة. دول الخليج، التي تدرك أهمية تنويع مصادر دخلها بعيداً عن النفط، تقود حراكاً نحو التنمية والتحول الرقمي، ساعيةً لترسيخ مكانتها كمراكز عالمية للتجارة والتقنية. هذه الأجندة الاقتصادية تدفع نحو تطبيع العلاقات وتهدئة التوترات، حيث أصبحت المصالح المشتركة هي المحرك الأساسي للتحالفات بدلاً من الأيديولوجيا. لكن هذه التحولات لا تخلو من تحديات داخلية تتعلق بتوفير الفرص للشباب وضمان العدالة الاجتماعية.
طريق السلام والتنمية: التحدي المستمر
يبقى التحدي الأكبر هو تحويل مسارات الصراع إلى مسارات للتنمية المستدامة. إن استقرار المنطقة مرتبط ارتباطاً وثيقاً بقدرة الأطراف الفاعلة على إيجاد حلول جذرية للصراعات المزمنة، خاصة الصراع الفلسطيني-الإسرائيلي. وفي الوقت الذي تتضاءل فيه الآمال في تحقيق سلام شامل، يظل دور المجتمع الدولي حاسماً في دعم جهود بناء الدولة وإعادة الثقة بين الشعوب والحكومات.
إن الشرق الأوسط اليوم هو مختبر للتحولات الجيوسياسية العالمية. هي رمال متحركة قد تبتلع الأطراف غير القادرة على التكيف، لكنها في الوقت نفسه تحمل بذور فرص لمستقبل مختلف، يقوم على التعاون الإقليمي وموازنة المصالح الدولية.